الصفحة الرئيسية
>
شجرة التصنيفات
كتاب: البيان في مذهب الإمام الشافعي
وقال مالك، وأبو حنيفة: (تثبت فيه الشفعة تبعاً للأرض). دليلنا: قوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «الشفعة في كل ربع، أو حائط». فأثبت الشفعة فيهما، فدل على: أنها لا تثبت لغيرهما. ولأنه لا يتبع الأصل في البيع بالإطلاق، فلم تثبت فيه الشفعة، كما لو باع أرضا وفيها طعام مستودع. وإن كان في الشقص نخيل بيع مع الشقص وعليه ثمرة غير مؤبرة.. فهل تؤخذ الثمرة بالشفعة؟ فيه وجهان: أحدهما: لا تؤخذ؛ لأنه منقول، فلم يستحق أخذه بالشفعة، كالزرع، والثمرة الظاهرة. والثاني: يؤخذ بالشفعة؛ لأنه يدخل في بيع أصل الأرض بالإطلاق، فاستحق بالشفعة، كالنخل. فإذا قلنا بهذا: فتأخر الأخذ بغيبة الشفيع، فجاء وقد أبرت النخل.. فهل يأخذها الشفيع؟ فيه وجهان: أحدهما: يأخذها؛ لأنه قد استحق أخذها حال البيع، فلم يسقط ذلك من غير رضاه بالتأبير. والثاني: لا يأخذها؛ لأنه إنما يأخذها ما دامت الثمرة تابعة للشجرة والأرض، فإذا ظهرت.. خرجت عن ذلك. فإذا قلنا بهذا: فهل يحط من الثمن شيء لأجل الثمرة؟ فيه وجهان: أحدهما: يحط؛ لأن الثمن قابل الجميع. والثاني: لا يحط؛ لأن هذا كنقص حدث بالمبيع. قال أبو علي السنجي: وهذا بناء على أن الطلع هل له قسط من الثمن؟ على قولين، كالحمل.
عبد العزيز، ومن الفقهاء: ربيعة، ومالك، والأوزاعي، وعبيد الله بن الحسن، وأحمد، وإسحاق. وذهبت طائفة إلى: أن الشفعة تستحق بالشركة، وتستحق بالجوار، وذهب إليه ابن سيرين، وابن أبي ليلى، والثوري، وأبو حنيفة وأصحابه، ويفصل مذهب أبي حنيفة فيها: (أن الرجل إذا باع داراً، فإن كان له فيها شريك.. كان أحق بالشفعة من الجار، وإن لم يكن له فيها شريك، فإن كانت في درب غير نافذ.. فالجار المشارك له في الطريق أحق من الجار الذي لا يشاركه في الطريق، وإن كان له جاران يشاركانه في الطريق.. فهما أحق، وإن عفا الجار الذي إلى جنبه عن الشفعة.. استحق جاره الذي يليه الشفعة إلى آخر الدرب ولو كان بينهما ألف ذراع، وأما إذا كان الزقاق نافذاً.. استحق الجار الملاصق له الشفعة، فإن عفا.. لم يستحق الذي يلي العافي الشفعة؛ لأنه ليس بجار للبائع، وإنما هو جار جاره). وحكي عن أبي العباس ابن سريج: أنه قال: تثبت الشفعة في الدار لمن يشاركه في الطريق بالدرب المشترك. وهذا كله غير صحيح؛ لقوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «الشفعة فيما لم يقسم، فإذا وقعت الحدود، وصرفت الطرق.. فلا شفعة». فأثبت جنس الشفعة فيما لم يقسم، ونفاها عن المقسوم. إذ ثبت هذا: فإن حكم حاكم بالشفعة للجار.. فهل ينقض حكمه؟ فيه وجهان، حكاهما الصيدلاني: أحدها: ينقض؛ لأنه مخالف للنص. والثاني: لا ينقض، وهو الأصح؛ لأنه حكم بما يسوغ فيه الاجتهاد.
وقال أبو حنيفة، والثوري، وأبو العباس ابن سريج: (تثبت فيه الشفعة؛ لقوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «الشفعة في كل شرك، ربع، أو حائط». ولم يفرق). دليلنا: قوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «الشفعة فيما لم يقسم، فإذا وقعت الحدود، وصرفت الطرق.. فلا شفعة». فأثبت جنس الشفعة فيما لم يقسم، يعني: ما لم يفعل فيه القسمة. وهذا إنما يكون فيما تجب قسمته عند الطلب، ولأن الشفعة إنما ثبتت لما يلحق الشريك من الضرر بالمقاسمة، وذلك لا يوجد فيما لا تجب قسمته. إذا ثبت هذا: فذكر الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ -: (البئر، والحمام، والرحى). قال أصحابنا: وإذا كان بينهما بئر، فباع أحدهما نصيبه فيها.. فهل تثبت فيها الشفعة؟ ينظر فيها: فإن كان معها بياض من الأرض بينهما، وكانا إذا قسما، كانت البئر لواحد، والبياض لواحد، وكانت قيمة نصيب كل واحد منهما بعد القسمة كقيمته قبل القسمة.. ثبتت فيها الشفعة. وإن كانت البئر لا بياض معها، فإن كانت كبيرة، بحيث إذا قسمت بينهما حصل لكل واحد منهما بئر منها، ينتفع بها.. ثبتت فيها الشفعة، وإن كانت بئراً صغيرة، بحيث إذا قسمت بينهما لم يحصل لكل واحد منهما بئر مفردة.. لم تثبت فيها الشفعة. وأما الحمام: فإن كان حماما كثير البيوت، بحيث إذا قسم بينهما حصل لكل واحد منهما ما يصلح حماماً، ولم تنقص قيمة نصيب كل واحد منهما بعد القسمة عن قيمته قبل القسمة.. ثبتت فيه الشفعة، وإن كان لا يحصل له ذلك.. لم تثبت فيه الشفعة. وأما الرحى: فإن كان فيه حجران، ولكل واحد منهما ماء، بحيث إذا قسم حصل لكل واحد منهما رحى.. ثبتت فيه الشفعة، وإن كان رحى واحدة.. لم تثبت فيه الشفعة؛ لأنه إذا قسم نقصت قيمة نصيب كل واحد منهما بذلك.
وأما الطريق: فهل تثبت فيه الشفعة؟ ينظر فيه: فإن كان طريقاً ضيقاً، بحيث إذا قسم لم يصب كل واحد منهما طريقا.. لم تثبت فيه الشفعة؛ لأنه نصيب لا يحتمل القسمة. وإن كان الطريق واسعاً، بحيث إذا قسم أصاب كل واحد طريقاً.. نظرت: فإن كان للدار المبيعة طريق آخر من درب نافذ، أو غير نافذ، أو يمكن أن يفتح لها بابا إلى زقاق نافذ.. ثبتت الشفعة في الطريق؛ لأنها أرض تحتمل القسمة. وإن كان لا طريق للدار المبيعة سوى هذا الطريق.. ففيه ثلاثة أوجه: أحدها: تثبت فيه الشفعة؛ لأنها أرض مشاعة تحتمل القسمة، فتثبت فيها الشفعة، كالدار. والثاني: تثبت فيها الشفعة، ولكن يكون لمشتري الدار المرور فيها إلى الدار؛ لأن الضرر يزول عنهما بذلك. والثالث ـ وهو الصحيح ـ أنه لا تثبت فيه الشفعة؛ لأن الشفعة لإزالة الضرر، فلو أثبتنا الشفعة هاهنا.. لأضررنا بالمشتري؛ لأن داره تبقى من غير طريق. وما قاله الأول فاسد؛ لما ذكرناه، وما قاله الثاني أيضا فاسد؛ لأن الملك إذا انتقل إلى الشفيع.. لم يستحق عليه الاستطراق في ملكه، وهذا الحكم إذا كان الطريق بحيث إذا قسم.. أصاب كل واحد مقدار طريقه لا زيادة عليه، فأما إذا كان نصيبه زيادة على ذلك.. فإن الزيادة على قدر الطريق فيها الشفعة، وجها واحداً، وفي قدر الطريق الأوجه الثلاثة.
وتثبت الشفعة بكل ما ملك الشقص فيه بعقد معاوضة، بأن يكون عوضاً في الصلح، أو أجرة في الإجارة، أو مهراً في النكاح، أو عوضاً في الخلع. وقال أبو حنيفة: (لا تثبت الشفعة إلا فيما ملك بالبيع وحده). دليلنا: أنه ملك بعقد معاوضة، فثبتت فيه الشفعة، كالبيع.
وإن أوصى رجل لرجل بشقص، أو وهبه له هبة لا تقتضي الثواب... لم تثبت فيه الشفعة. وقال ابن أبي ليلى: تثبت فيه الشفعة بقيمة الشقص. وهي إحدى الروايتين عن مالك. دليلنا: أنه ملكه بغير عقد معاوضة، فلم تثبت فيه الشفعة، كما لو ملكه بالإرث. وإن وهب له شقصاً بعوض معلوم.. كان بيعا، وتثبت فيه الشفعة، سواء تقابضا أو لم يتقابضا، وبه قال زفر. وقال أبو حنيفة وسائر أصحابه: (لا تثبت فيه الشفعة حتى يتقابضا؛ لأن الهبة لا تلزم إلا بالقبض). دليلنا: أنه ملكه بعقد معاوضة، فلم يعتبر في ثبوت الشفعة فيه القبض، كالبيع، وأما الهبة: فقد صرفناها عن مقتضاها بشرط العوض فيها. وإن وهب لمن هو أعلى منه شقصاً، فإن قلنا: إنها تقتضي الثواب.. ثبتت فيه الشفعة، وإن قلنا: لا تقتضي الثواب.. لم تثبت فيه الشفعة.
وقال المسعودي [في "الإبانة"فيه قولان، بناء على أن الإقالة ابتداء عقد، أو فسخ عقد. فإن عفا الشفيع عن الشفعة، ثم إن المشتري ولاه رجلاً.. ثبتت للشفيع فيه الشفعة؛ لأن التولية بيع برأس المال.
أحدهما: تثبت؛ لأنها ملكته ببدل، وهو الخدمة، فهو كما لو استأجر به غيرها على الخدمة. والثاني: لا تثبت؛ لأنها ملكته بالوصية، بدليل: أنه يعتبر من الثلث. وإن دفع المكاتب إلى سيده شقصاً عن كتابته.. كان للشفيع أن يأخذه بالشفعة؛ لأنه مملوك بعوض، وإن غاب الشفيع، أو لم يعلم حتى عجز المكاتب ورجع إلى الرق.. ففيه وجهان: أحدهما: لا تثبت فيه الشفعة؛ لأنه صار بالعجز مملوكاً للسيد بحق الملك. والثاني: تثبت فيه الشفعة؛ لأن الشفعة قد ثبتت فيه حال ما قبضه السيد، فلا تسقط بالعجز.
وقال أبو حنيفة، وأبو سعيد الإصطخري: (الدين يمنع انتقال الملك إلى الوارث). فعلى هذا: لا يستحق الوارث الأخذ بالشفعة. وليس بشيء. ولو مات رجل، وله دار، وعليه دين يحيط ببعضها، فبيع بعض الدار بالدين، أو أوصى بأن يباع بعض الدار، ويصرف ثمنه في بعض وصاياه، فبيع بعضها.. قال ابن الحداد: لم يكن للورثة أن يأخذوا ما بيع منها بالشفعة؛ لأن البيع يقع عليهم، فلا يستحقون فيه الشفعة. قال القاضي أبو الطيب: ولم يختلف أصحابنا في هذه، فأما إذا كان لرجل ربع دار، ولابنه ثلاثة أرباعها، فمات الأب وعليه دين يحيط بربع الدار، فبيع بالدين.. قال ابن الحداد: فللابن أن يأخذ الربع بالشفعة هاهنا؛ لأن الشقص بيع بسبب مستحق على الميت في حال حياته، فكأن الأب باشر بيعه في حال حياته، والابن شريك له في حال حياته، فاستحق الشفعة به عليه، كما لو باع الأب ذلك بنفسه. وخالفه أكثر أصحابنا، وقالوا: لا شفعة للابن؛ لأن الابن يملك ربع الدار الذي خلفه أبوه، والدين لا يمنع انتقال الملك إلى الوارث عندنا، ومن بيع عليه بعض ملكه.. لم يستحق أخذه بالشفعة، كما لو غاب رجل، وله دار، وعليه دين، فباع الحاكم بعض داره بدينه، ثم قدم.. فليس له أخذ ما بيع من داره بالشفعة، فكذلك هاهنا مثله.
وقال عثمان البتي: تسقط شفعته، واحتج بقوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «لا يحل له أن يبيع حتى يؤذن شريكه، فإن شاء.. أخذ، وإن شاء.. ترك، وإن باع ولم يؤذنه.. فهو أحق». ودليلنا: قوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «الشفعة فيما لم يقسم، ربع، أو حائط». ولم يفرق. ولأنه إسقاط حق قبل ثبوته، فلم يسقط، كما لو أبرأه من دين قبل ثبوته. وأما الخبر: فأراد به العرض عليه ليبتاع ذلك إن أراد، فتخف بذلك المؤنة على الشريك.
إن قلنا: إن الملك ينتقل في الوقف إلى الله.. لم يستحق الموقوف عليه الشفعة في الطلق؛ لأن الشفعة لا تستحق إلا بالملك. وإن قلنا: إن الملك في الوقف ينتقل إلى الموقوف عليه.. فهل يستحق أخذ الطلق بالشفعة؟ فيه وجهان، حكاهما الشيخ أبو إسحاق: أحدهما: أنه يستحق؛ لأنه يلحقه الضرر في ماله من جهة الشريك، فاستحق أخذه بالشفعة، كمالك الطلق. والثاني ـ ولم يذكر الشيخ أبو حامد غيره ـ: أنه لا يستحق؛ لأن الوقف لما لم يستحق أخذه بالشفعة.. لم يستحق الأخذ به بالشفعة.
وإن كان الخيار للمشتري وحده، وقلنا: إن الملك موقوف، أو لا ينتقل إلى المشتري إلا بانقضاء الخيار.. لم يكن للشفيع الأخذ بالشفعة قبل انقضاء الخيار؛ لأن الملك لم يحصل للمشتري، وإن قلنا: إن الملك ينتقل إلى المشتري بنفس العقد.. فهل يستحق الشفيع الأخذ بالشفعة قبل انقضاء الخيار؟ فيه قولان: أحدهما: لا يستحق، وهو اختيار أبي إسحاق المروزي؛ لأنه بيع فيه خيار، فلم يستحق الشفيع الأخذ قبل انقضاء الخيار، كما لو كان الخيار للبائع، ولأن المشتري شرط الخيار لغرض قصده، وفي أخذ الشفيع قبل انقضاء الخيار تفويت لغرض المشتري، فلم يجز. والثاني ـ وهو اختيار الشيخين: أبي حامد، وأبي إسحاق ـ: أنه يستحق؛ لأنه إذا ملك الأخذ بعد استقرار حق المشتري بانقضاء الخيار.. فلأن يملك قبل ذلك أولى، ولأن المشتري لو وجد بالشقص عيباً، فأراد رده.. كان للشفيع أن يأخذه، ويبطل ما ثبت للمشتري من الرد، فكذلك هذا مثله.
فإن قلنا: إن الملك فيه للبائع.. كانت الشفعة فيه للبائع؛ لأن ملك الشقص له في هذه الحالة. فعلى هذا: إذا انقضى الخيار، ولم يفسخ العقد.. فإن الشقص المبيع أولاً لمشتريه، والشقص المبيع ثانياً لبائع الشقص الأول؛ لأنه ملك أخذه بالبيع الثاني، فلا يسقط بعد ذلك. وإن قلنا: إن الملك في الشقص الأول انتقل إلى المشتري بالعقد.. فإن الشفعة في الشقص الثاني لمشتري الأول، فإن فسخ البيع بعد ذلك في الذي اشتراه.. لم يسقط حقه من الشفعة في الثاني؛ لما ذكرناه. وإن قلنا: إن الملك في الشقص الأول موقوف على انقضاء الخيار.. كانت الشفعة في الشقص الثاني أيضاً موقوفة، فإن فسخا البيع.. كانت الشفعة لبائع الأول، وإن لم يفسخا.. كانت للمشتري.
وقال الشعبي، وأحمد، والحسن بن صالح: (لا تثبت له). دليلنا: قوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «الشفعة فيما لم يقسم، ربع، أو حائط». ولم يفرق، ولأنه خيار يثبت لإزالة الضرر عن المال، فثبت للذمي على المسلم، كخيار الرد بالعيب، وفيه احتراز من خيار القصاص. إذا ثبت هذا: فإن اشترى ذمي من ذمي شقصاً بخمر، أو خنزير، والشفيع ذمي، فإن رفع ذلك إلى الحاكم قبل التقابض في الثمن بالبيع.. حكم الحاكم بإبطال البيع، وإبطال الشفعة؛ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَأَنِ احْكُمْ بَيْنَهُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ} [المائدة: 49]. وإن رفع إلى الحاكم بعد التقابض في البيع، والأخذ في الشفعة.. لم يحكم بإبطال البيع، ولا بإبطال الشفعة؛ لأنه لا يحكم ببطلان ما استقر من عقودهم، كالنكاح بعد الدخول. وإن رفع إليه بعد التقابض بالبيع، وقبل الأخذ بالشفعة.. لم يحكم بإبطال البيع، ولكن يحكم بإبطال الشفعة. وقال أبو حنيفة: (تثبت الشفعة، فإن كانت لمسلم.. أخذ بقيمة الخمر، وإن كانت لذمي.. أخذ بمثلها). وبناه على أصله: أن الخمر لأهل الذمة مال. ودليلنا: أن البيع وقع بثمن حرام، فلم تثبت فيه الشفعة، كالميتة، والدم.
وهكذا: لو ارتد الشفيع قبل الأخذ، فمات أو قتل بالردة قبل الأخذ.. فإن شفعته لا تبطل بذلك، بل ينتقل النظر فيها إلى الإمام، فإن رأى المصلحة للمسلمين في أخذه بالشفعة.. أخذه، ودفع الثمن من بيت المال، وإن رأى الحظ في الترك.. لم يأخذه؛ لأن المال انتقل إليهم، وهكذا: لو مات الشفيع، ولا وارث له غير المسلمين.. كان الحكم فيه ما ذكرناه.
ويجوز للمكاتب الأخذ بالشفعة، والترك، وليس للسيد الاعتراض عليه؛ لأن التصرف يقع له دون السيد، وأما العبد المأذون له في التجارة: فإن أخذ بالشفعة.. جاز؛ لأنه مأذون له في الشراء، وإن عفا.. كان للسيد إبطال عفوه؛ لأن الحق للسيد، فلا يملك العبد إسقاطه.
وإن كان وصياً على يتيم، وبينهما عقار، فباع الوصي على اليتيم نصيبه فيه.. فهل للوصي أخذ ما باع على اليتيم بالشفعة لنفسه؟ فيه وجهان: أحدهما قال ابن الحداد: لا يجوز؛ لأن الوصي متهم في أنه لم يستقص في ثمن الشقص ليتملكه، فلم يجز له الأخذ. والثاني: من أصحابنا من قال: يجوز له أخذه بالشفعة. وبه قال ابن القفال؛ لأنه يمكن نفي التهمة عنه، بأن يرجع فيه إلى تثمين ثقتين من أهل الخبرة بالشقص، فإن قيل: إنه بيع بثمن مثله.. استحق الأخذ؛ لأن البيع قد صح، وإن قيل: إنه بيع بأقل من ثمن مثله.. لم يصح البيع، ولم يستحق الأخذ. والأول أصح؛ لأن التهمة تلحقه مع ذلك في أنه ترك الزيادة على ثمن المثل مع إمكانها، فإن رفع الوصي الأمر إلى الحاكم، فأمر الحاكم من قرر ثمن الشقص، فباع به.. استحق الوصي الأخذ بالشفعة لنفسه، وجهاً واحداً؛ لأن التهمة منتفية عنه هاهنا، وإن كان الناظر في أمر الصغير أباً أو جداً، فباع عليه شقصا له فيه شفعة.. استحق الشفعة عليه، وجهاً واحداً؛ لأن التهمة منتفية عنهما في حقه، بدليل: أنه يصح أن يشتري ماله لنفسه، ويبيع منه، بخلاف الوصي. وإن اشترى الوصي لليتيم شقصاً للوصي فيه الشفعة.. فهل له أن يأخذه بالشفعة منه؟ فيه وجهان، حكاهما ابن الصباغ: أحدهما: ليس له ذلك؛ لأنه يلزم الصبي العهدة في الشقص، ولا حظ له في ذلك. والثاني ـ وهو قول ابن الحداد، والقاضي أبي الطيب ـ: له ذلك؛ لأنه لا تهمة عليه في ذلك. |